top of page

كيف يمكن تعزيز التماسك الاجتماعي في اليمن من خلال صون التراث الثقافي؟

تراجع التماسك الاجتماعي في #اليمن هو سبب ونتيجة للصراع في آن واحد؛ ويمكن لتعزيزه من خلال صون التراث الثقافي أن يسهم بفاعلية في السلام والاستقرار.
رقصة الشبواني في حضرموت، تصوير أيمن تيتي
رقصة الشبواني في حضرموت، تصوير أيمن تيتي

تقرير خاص


يتمتع اليمن بتراث ثقافي غني ومتنوع، ولطالما كان هذا التراث مصدراً لفخر اليمنيين عموماً، ومع ذلك، أثر الصراع في اليمن سلباً على قدرة العديد من عناصر التراث الثقافي على الاستدامة والاستمرار في أداء أدوارها المهمة في عدة جوانب، ومنها جانب التماسك الاجتماعي الذي يعد ضرورة لاستقرار وازدهار أي مجتمع.


يشير التماسك الاجتماعي إلى الشعور بالترابط والانتماء داخل المجتمع، حيث يجتمع الأفراد من خلفيات مختلفة ويحترمون ويقدرون اختلافات بعضهم البعض وتنوعهم، ويعملون على تحقيق أهداف مشتركة، وهو بالتالي شرط حاسم لاستقرار وتنمية أي مجتمع أو أمة. أما التراث الثقافي فهو يشمل العادات والممارسات والمعتقدات والقيم والتقاليد والفنون والمباني والمصنوعات اليدوية الموروثة من الأجيال الماضية، وهو يعكس هوية المجتمع ككل، أو مجموعة صغيرة أو حتى أفراداً، ويلعب دوراً محورياً في تشكيل أسلوب حياتهم.


في السنوات الأخيرة، برز اعتراف متزايد بالصلة بين التماسك الاجتماعي والتراث الثقافي، ويتم النظر إلى الحفاظ على التراث الثقافي كأداة قوية لتعزيز التماسك الاجتماعي داخل المجتمعات المتنوعة. على سبيل المثال، إحدى الفوائد الرئيسية للحفاظ على التراث الثقافي هو أنه يسمح بالحفاظ على التنوع في المجتمع. إذا تم احترام وتقدير الممارسات الثقافية للناس، فإنهم يشعرون بأنهم مندمجون أكثر في المجتمع؛ وهذا يساهم في خلق بيئة يشعر فيها الأفراد بالانتماء والفخر بغض النظر عن خلفيتهم. علاوة على ذلك، يعزز التراث الثقافي التفاهم بين مختلف فئات المجتمع من خلال منحهم الفرصة للتعرف على ثقافات بعضهم البعض، وربما حتى تبادلها. عندما يكون لدى الناس معرفة بتقاليد ومعتقدات وأساليب حياة بعضهم البعض، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة القبول والتسامح حتى تجاه الآخرين الذين قد يكونون مختلفين عنهم.


ومن الأمثلة على ذلك، سواء أكان تراثاً ثقافياً مادياً - مثل المباني التاريخية - أو غير مادي مثل فنون الأداء والحِرف، نرى كيف تجمع جلسات الدان في حضرموت الناس من كل الفئات للتغنّي بأشعار تناقش مختلف أوضاع المجتمع السياسية والاقتصادية في جو من الحرية والتسامح والمرح، الأمر الذين يُعد فرصة للتفاهم والتوعية وحتى حل المشكلات بطريقة فريدة من نوعها.


مثال آخر يتمثل في الحفاظ على أنماط البناء التقليدية؛ والتي يعني الاستمرار فيها استمرار توفير سُبل العيش للحرفيين وتوفير تكاليف

مدينة شبام حضرموت، أحد مواقع التراث العالمي
مدينة شبام حضرموت، أحد مواقع التراث العالمي

الطاقة بفضل قدرة البناء التقليدي على توفير التدفئة الجيدة والتبريد الجيد خلال فصول السنة الحارة والباردة، وهذا يعني تحسين فرص النمو الاقتصادي وبالتالي الاستقرار.


يعد الحفاظ على التراث الثقافي أمراً حيوياً لتعزيز التماسك الاجتماعي لأنه يساعد على توحيد الأفراد والمجتمعات من خلال التاريخ والتقاليد والقيم المشتركة. ومع ذلك، تأتي هذه المهمة مصحوبة بمجموعة من التحديات الخاصة بها والتي يجب التعرف عليها ومعالجتها من أجل تحقيق جهود الحفاظ الناجحة. ومن تلك التحديات نقص الموارد؛ حيث قد لا تمتلك العديد من البلدان والمجتمعات - مثل اليمن - الأموال اللازمة لتنفيذ تدابير الحفظ والصون المناسبة مثل الحفاظ على مواقعها الثقافية والتحف أو ترميمها أو توثيقها. وهذا يمكن أن يؤدي إلى إهمال واضمحلال هذه العناصر المهمة من تراث المجتمع.


هناك تحدي آخر يتمثل في الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات أو العواصف أو الحرائق التي يمكن أن تسبب أضراراً كبيرة للمعالم الثقافية والتحف. وفي بعض الحالات، يمكن تدمير قرى أو بلدات بأكملها ذات تاريخ ثقافي غني، مما يجعل من الصعب الحفاظ على تراثها للأجيال القادمة. إضافة إلى ذلك، أدت وتيرة التحضر السريعة أيضاً إلى التأثير سلباً على الحفاظ على التراث الثقافي؛ فمع نمو المدن وتوسعها، هناك طلب متزايد على المباني والبنية التحتية المعاصرة التي يمكن أن تؤدي إلى تدمير أو تغيير الهياكل التاريخية والمناظر الطبيعية.


أخيراً، يعد عدم الاستقرار السياسي تحدياً آخر يمكن أن يعيق الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الثقافي وصونه. ففي أوقات النزاع أو الحرب، يمكن أن تُستهدف المواقع التاريخية؛ مما يؤدي إلى أضرار أو خسائر لا يمكن إصلاحها. بالإضافة إلى ذلك، قد تتجاهل بعض الأيديولوجيات القيمة الثقافية التراثية داخل المجتمع.


في اليمن، كان لكل تلك العوامل مجتمعة دور حاسم في التأثير سلباً على التراث الثقافي؛ حيث تؤثر التغيرات المناخية - مثلاً- على المباني التاريخية التراثية الفريدة في البلاد، مثل شبام حضرموت وزبيد على سبيل المثال لا الحصر. تسببت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أيضاً في تراجع العديد من المهن الحرفية التراثية مثل صناعة الفضيات، ويؤدي الزحف الحضري في تراجع فنون العمارة الطينية.


إحدى الاستراتيجيات الأكثر أهمية للتغلب على تحديات الحفاظ على التراث الثقافي وصونه هي إشراك المجتمعات المحلية. من الضروري التشاور مع أفراد المجتمع الذين لديهم ارتباط قوي بالتراث الثقافي الذي يتم صونه. ومن خلال إشراكهم، يتم اكتساب رؤى قيمة حول عاداتهم ومعتقداتهم وممارساتهم، بل وتمكينهم من خلال منحهم صوتاً في عمليات صنع القرار.


التحدي الكبير الآخر الذي يواجه صون التراث الثقافي هو قلة الوعي بين الناس بقيمته وأهميته. ولذلك، فمن الأهمية بمكان التثقيف والتوعية حول أهمية حماية التراث الثقافي المشترك. ومن خلال برامج التوعية وورش العمل والمبادرات التعليمية، يمكن للناس أن يفهموا كيف أن ثقافتهم جزء لا يتجزأ من هويتهم وكيف يمكن أن يفيد الحفاظ عليها الأجيال القادمة.


ختاماً، يعد التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة مثل الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المحلية ومجموعات السكان الأصليين أمراً حيوياً للحفاظ على التراث الثقافي وصونه بشكل فعال. يقدم كل صاحب مصلحة وجهات نظر وموارد ومعارف وخبرات فريدة يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال الحفاظ على التراث الثقافي وصونه معاً.


لا يمكن المبالغة في أهمية الحفاظ على التراث الثقافي عندما يتعلق الأمر بتعزيز التماسك الاجتماعي. فهو يجمع الناس معاً من خلال التجارب المشتركة، بينما يحتفلون بالتنوع في نفس الوقت. إن الاستثمار في الحفاظ على الهوية الثقافية في اليمن سيؤدي إلى مجتمع أكثر انسجاماً حيث يشعر الجميع بالتقدير والاندماج.

bottom of page